Skip to main content

في الهمجية والفجور

إن القول بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية أصبح واضحا مع تراكم الأدلة يوما بعد يوم. ويبقى سؤال الذي لا بد من توضيحه: ما الذي يفسر بربرية إسرائيل المفرطة تجاه الفلسطينيين؟ ما الذي يفسر الدعم غير المشروط من الغرب؟


لأنه إذا كان هناك شيء واحد يميز هجمات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني فهو قسوتها الشديدة. إن قتل النساء والأطفال، واغتيال الصحفيين والأطباء والباحثين والشعراء، وتدمير المنازل والمستشفيات والمدارس والجامعات ومراكز العبادة، كل هذا لا يشكل حرباً بل وحشية لا مثيل لها. كيف نفسر هذا؟


إن التصرف الوحشي لجنود وقادة إسرائيل لا يمكن تفسيره في نهاية المطاف إلا من خلال رد الفعل ضد القمع الذي عانى منه اليهود لعدة قرون في أوروبا المسيحية. التاريخ لا زال هنا ليخبرنا عن القمع والظلم والعنصرية والتنمر الذي عانى منه اليهود والذي أدى إلى الإبادة الجماعية لهم في القرن العشرين في أوروبا. ولكن بدلاً من الانقلاب على مضطهديهم والمطالبة بالعدالة والتعويض، استخدم الصهاينة هذا الغضب المخفي منذ قرون لتبرير إنشاء ما يسمى ب"أرض لليهود". ثم اختاروا استعمار فلسطين، ولم يترددوا في طرد سكانها وذبحهم وإلحاق كل أنواع الظلم بهم، أسوأ مما عانوا منه في أوروبا.


إن موقف الزعماء الأوروبيين تجاه المذبحة التي ترتكبها إسرائيل ضد السكان المدنيين الأبرياء لا يمكن تفسيره إلا من خلال التاريخ. وفي معظم الدول الأوروبية - باستثناء أسبانيا المسلمة حيث عاش اليهود لعدة قرون كمواطنين كاملين الحقوق - قام سكان وقادة هذه الدول باضطهاد اليهود من خلال معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. وفي بداية القرن العشرين لم يتردد القادة الأوروبيون، مدفوعين بشعور بالذنب، في دعم المشروع الاستعماري الصهيوني، حيث كانت أيضًا وسيلة للتخلص من المسألة اليهودية. بمجرد اعتماد مشروع استعمار فلسطين من قبل الصهاينة اليهود من أوروبا، بذل القادة الأوروبيون، المثقلون بماضي الظالمين ومعاداة اليهودية، كل ما في وسعهم لجعل الناس ينسون الماضي، وبالتالي قدموا دعمًا غير مشروط لإسرائيل. وهذا ما يفسر حقا موقف الدول الأوروبية تجاه إسرائيل.


والنتيجة هي أن لدينا يهودًا تعرضوا بالفعل للاضطهاد لعدة قرون... في أوروبا، وهاهم الآن ينتقمون... في الشرق الأوسط، من شعب لم يفعل شيئًا لهم، ويجدون أنفسهم مدعومين من قبل الدول التي اضطهدتهم لعدة قرون. وهذا التحالف المقدس من نوع جديد  يُمارس ضد الشعب الفلسطيني على أرض عاش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون بسلام طوال قرون.


هذا هو سر االارتباط الوثيق بين الهمحية الصهيونية الإسرائيلية والدعم الغربي غير الأخلاقي.


بنيونس سعيدي

Comments

Popular posts from this blog

اسرائيل على القائمة السوداء

أضافت الأمم المتحدة إسرائيل إلى "القائمة السوداء" للدول التي ارتكبت "انتهاكات جسيمة" ضد الأطفال في مناطق النزاع خلال عام 2023. يجب التذكير بأن هناك دعوى ضد اسراءيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، دعوى قامت بها جنوب أفريقيا بدعم قوي من 55 دولة. يجب أيضًا التذكير بأن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية طلب إصدار مذكرات توقيف ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين. تعكس هذه الإجراءات، و غيرها، العزلة التدريجية لإسرائيل وإدانتها من قبل المجتمع الدولي. بنيونس سعيدي

فرنسا: نتائج وتحديات

فازت الجبهة الشعبية الجديدة  بـ182 مقعداً في الانتخابات التشريعية المسبقة، مما جعلها المجموعة الأولى في الجمعية الوطنية الفرنسية التي تتكون من 577 مقعداً.  من الواضح أن هذه النتائج تبعث الارتياح والرضا بالنسبة لملايين الفرنسيين الذين كانوا يعانون من السياسات المضاضة لمصالح الشعب في عهد ماكرون. كما أنها فرصة مفتوحة أمام جميع الذين يرغبون في تغيير حقيقي. ومع ذلك، وبدون التقليل من النتائج التي تم تحقيقها، يجب التذكير بأن الجبهة الشعبية الجديدة لم تحصل إلا على 31.2% من مقاعد الجمعية الوطنية وأن نسبة الفرنسيين الذين صوتوا لها لا تمثل إلا 25.1% من الأصوات. بالمقارنة، حصلت الجبهة الشعبية في 1936 على 63.5% من المقاعد و57.8% من الفرنسيين صوتوا لها! وهذا يعني أن الجبهة الشعبية الجديدة بعيدة عن أداء سنة 1936. ولكن كل هذا لا يقلل من النجاح الكبير الذي تم تحقيقه هذا الاسبوع. إنه ببساطة يشير إلى أن الجبهة الجديدة لديها عمل ضخم لإقناع المزيد من الفرنسيين بضرورة وإمكانية التغيير من أجل مجتمع أفضل. لهذا السبب ترغب المجموعة الجديدة في الإسراع بتنفيذ برنامجها الذي يحتوي على إصلاحات اجتماعية هامة...

العدالة إلى جانب الشعب الفلسطيني

يُعدّ 19 يوليو 2024 يومًا تاريخيًا لانتصار العدالة، حيث نطقت بوضوح لصالح حقوق الشعب الفلسطيني. أصدرت محكمة العدل الدولية (CIJ) رأيًا يعلن أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني. وطالبت المحكمة جميع الدول بالعمل على إنهاء هذا الاحتلال، كما طالبت إسرائيل بدفع تعويضات للفلسطينيين الذين عانوا من هذا الوضع. تجدر الإشارة إلى أن هذا الرأي جاء بعد قرار حديث من المحكمة يطلب من إسرائيل وقف أي عمليات في غزة من شأنها  ان تشكل إبادة جماعية. سيعزز هذا الرأي من الضغوط الدولية على إسرائيل. وعلى الرغم من أن تحقيق العدالة قد يستغرق وقتًا، كما حدث مع إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فلا شك أن العدالة ستنتصر في النهاية وسيستعيد الفلسطينيون حقهم في تقرير المصير. بنيونس السعيدي