إن ما يجري في فلسطين في الأشهر الأخيرة يتطلب منا أن نفكر في الأسباب الجذرية لهذه الأحداث.
تبدأ القصة في أوروبا حيث تعرض اليهود لمعاداة عميقة لليهودية طوال قرون (1) آتية من المسيحيين، خاصة منذ العصور الوسطى. المكان الوحيد الذي تمتع فيه اليهود كل حقوقهم كمواطنين كان في إسبانيا وجزء من البرتغال خلال الوجود العربي الإسلامي بين القرنين الثامن والخامس عشر.(2) وكانت معاداة اليهودية في كل مكان آخر في أوروبا هي التي تسببت في ولادة، خلال القرن التاسع عشر ،الحركة الصهيونية التي أرادت تحرير اليهود من هذا الظلم. واعتبرت هذه الحركة أنه لا يوجد حل داخل المجتمعات الأوروبية. ومن هنا جاءت فكرة إيجاد وطن منفصل لليهود.
ومن جانبهم، بدلاً من السعي إلى تحسين أوضاع اليهود داخل بلدانهم، شجع القادة الغربيون، إنشاء كيان خارج أوروبا. ويجب أن نتذكر أن يهود أوروبا هاجروا بأعداد كبيرة إلى الولايات المتحدة، التي اعتبروها منطقة أكثر أمانًا. ويجب أن نتذكر أيضًا أن الولايات المتحدة أوقفت هذه الهجرة اليهودية عندما أدركت أهميتها.
لقد تخلص زعماء الغرب ـ أوروبا والولايات المتحدة ـ بطريقة أو بأخرى من المسألة اليهودية من خلال تشجيع المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين. ويجب أن نتذكر أن شعوب المنطقة - التي كانت هي نفسها تحت السيطرة الغربية الفرنسية البريطانية - كانت تتألف من يهود ومسيحيين ومسلمين الذين عاشوا في سلام لعدة قرون. وبطبيعة الحال قاومت هذه الشعوب استعمار فلسطين من منطلق القومية وليس من منطلق معاداة اليهودية. والجدير بالذكر أن عرب يهود وقفوا علناً ضد المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين (3).
كل هذا يفسر الوضع الحالي حيث يحاول الغرب إخفاء "ذنبه الاصلي" (معاداته العميقة لليهودية) من خلال الدعم غير المشروط للصهيونية. كل هذا يفسر أيضًا لماذا نجد أنفسنا في هذا الوضع المذهل حيث يدعم الغرب - المعادي اصليا لليهود - إسرائيل، بينما شعوب المنطقة التي عاشت بسلام مع اليهود لعدة قرون هي ضد المشروع الصهيوني والاستعماري فقط.
بنيونس سعيدي
------------------------------------------------------------------------------------
(1) “معاداة اليهودية” بقلم ديفيد نيرمبرج، 2023
(2) تم طرد اليهود على نطاق واسع من إسبانيا في عام 1492 على يد إيزابيلا ملكة قشتالة وفرديناند الثاني ملك أراغون، باسم الدفاع عن المسيحية اللكاتولكية.
Three worlds - Memoirs of an Arab-Jew, Avi Shalom,(3) 2023
Comments
Post a Comment